الخميس، 8 ديسمبر 2016

كلمة الشيخ مبارك عبدالله المبارك الصباح في حفل مئوية رحيل الشيخ مبارك الصباح المكتبة الوطنية 29 نوفمبر 2015



كلمة سعادة الشيخ مبارك عبدالله المبارك الصباح
حفل مئوية رحيل الشيخ مبارك الصباح
المكتبة الوطنية 29 نوفمبر 2015


للتاريخ ومضات مبهرة تتوقف عندها الفِكَر وتبقى صورُها خالدةً في ذهنِ الزمن.
وللدولِ رجالٌ.. يسجلُ التاريخُ أسماءَهم في صفحاتِ الإنجازِ والخلود..

والكويتْ هذا البلدْ الصغيرْ الجميلْ الذي كان نتاجَ جهدِ رجالٍ بذلوا الغالي والنّفيس فــي سبيـــلِ تقـــدمِ مجتمعهـــم وازدهـــارِه.. وكــــان فـــي تاريخهم مايستحق أن نقـــف عنـــده طويـلا لقد مر الزّمن بسرعة.. ولم يَعُدْ كافيا أن نُكملَ المسيرةَ فقط، بل وأيضا أن نطالع مافات لتوثيقِهِ ولقراءته، والاستفادةِ منه.. والعمل وِفْقَ إضاءاته..

فمن لا يقرأ تاريخَه سيعيشُ حياةً أميّة لاروحَ فيها.. ولا مستقبلَ لها.
وفي مثلِ هذه الأيام تحلُّ الذكرى المئويةِ لرحيلِ مؤسسِ الكويتِ الحديثةِ الشيخ مبارك الصباح طيبَ الله ثراه، عندما كان وطنهُ في مهبِّ العواصفِ العالمية فخرج من كل الأعاصيرِ سالما..  ليضعَ الكويتَ على برِّ الأمان وعلى طريقِ الخيرِ والنماء.


في ذلك الزمن الذي كانت فيه الدولُ الصغيرةُ لُـقمةً سائغة أمام تطلعاتِ نفوذِ الدول الكبرى وأمامَ التنافس الأوربي على تقاسم تركةِ الإمبراطورية العثمانية ومناوشات قوى أخرى قريبة أو بعيدة وكذلك تهديدات قوانين النهب العشائرية.. كان لابد من قائدٍ يعرفُ أين يوجّهُ المركبَ في موجِ السياسة المتلاطم..

فكان حضورُ الشيخ مبارك الصباح ليكونَ كما وصفهُ الوكيل البريطاني السياسي شكسبير عندما قال عام 1911: "البلاد تحت القبضة القوية للشيخ مبارك هي الأفضل أمناً وحُكماً في الخليج"
كان الشيخ مبارك كما لقبه المؤرخون (أسد الصحراء).. الذي حمى عرينَه بتأهُّبِ الأسودِ وعزيمتها.
وهذا الملتقى الذي تشرفت فيه دارُ سعاد الصباح للنشر  بالتعاون مع المكتبة الوطنية وبجهودِ المخلصينَ ممن عملوا على إنجاحِه سواء بإصدار كتاب أو إلقاء محاضرة أو ترتيب ندوة أو إقامة معرض ما هو إلا جهدٌ يتضمنُ رسالةً تقول: أن الكويت تستحق منا مزيدا من العمل.



وإن رجالها ينتظرون منا الكثير لتسجيل وتدوين تاريخهم.. وإن الحُكم الكويتي الممتد قام على أنّ الحاكم والمحكوم يد واحدة  وتواصَلَ هذا النهج حتى اليوم ليكون والدنا وقائدنا هو قائد العمل الإنساني العالمي.. مما يتطلبُ المزيدَ والمزيد والمزيد من العمل..
أشكر معالي وزير الإعلام  ووزير الدولة لشؤون الشباب ورئيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الشيخ سلمان الحمود الصباح على رعايته لهذه الفعالية.

وأشكر الأخ مدير المكتبة الوطنية الأستاذ كامل العبدالجليل على جهوده  التي كللت هذا العمل بالنجاح.

كما أشكر الأستاذ الباحث باسم اللوغاني على جهده الكبير في جمع وثائق ومراسلات الشيخ مبارك الكبير وفي إقامة هذا الملتقى.

وأشكر كل من كانت لهم بصمة في هذه الفعالية.


واسمحوا لي أن أخص بالشكر أستاذتي التي علمتني أن كتابة تاريخ رجال الوطن هي كتابة جديدة للوطن
وعلمتني أن الثقافة هي أجمل بوابات الحياة..
وعلمتني أن للكويت في رقابنا عهد وجميل..
هي أستاذتي ووالدتي د. سعاد الصباح حفظها الله



والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته



الأحد، 19 يونيو 2016

أبي.. وَداعٌ يتجدَّدُ وذكرى لا تغيب - بقلم: مبارك عبدالله المبارك الصباح




أبي.. وَداعٌ يتجدَّدُ وذكرى لا تغيب

بمناسبة مرور 25 عاما على رحيل والدي الشيخ عبدالله مبارك الصباح طيب الله ثراه




بقلم: مبارك عبدالله المبارك الصباح

يحدث أن لا نألف الغياب أحيانا.. ولانستسلم لسطوته.. وهنا رجل أقوى من غيابه.
تظلّ ذكراه خالدة في الزمان، وعابقة في المكان.. 
ذكرى ترتفع في المدى العمودي حين علمنا خطوات الاقتراب من الله وأبجديات تصفية القلب والنفس والارتقاء بالروح إلى مراتبها السامية، وذكرى تمتد في المدى الأفقي حيث هيأ لنا وسائل بناء علاقاتٍ طيّبةٍ مع الناس، ونشر الخيرِ والعلمِ.
وهذا قليل من كثير تعلّمتُه وحفظته والتزمت به.. مثلماحفظتُ كلمته التي كان يردّدها دائماً: "نحن نؤمِن بالمستقبل"..
أخاطب الإنسان الرقيق.. وأخاطب رجل الدولة القوي الذي كان متفائلاً في أحلك الظروف، ومبتسماً في أعتى الأزمات.. لا يتخلى عن حكمتِه ولا عن التأنّي في التصرّف حتى في سورات غضبه..
أبي.. الذي يراه لعالَمُ كلّه أنه أبي، وأنا أراه العالَم كله.
ربع قرنٍ مرّ على رحيله.. وكلّما طال الغياب زادَ حضوره.. وكلّما صادفتُ أحداثاً تذكّرتُ تفاصيلَ التفاصيلِ من كلامه، وتلك الرؤية المستقبليّة التي يتمتَّع بها ويسقطَها على الواقع.. لتتناسب معه تماما.
هو الحاضر في القضايا، وفي حكايات مَن عاصروه ومَن التقَوا به ومَن عملوا معه. 
كانتِ الكويت في أشدّ حالاتها حاجَةً إلى رجل نشِط لا يهدأُ.. يعمل على مدار الساعة، لأنها لحظاتُ البناء التي تتطلّب مواصفاتٍ خاصَّة، ورجالاً من طراز خاص.
مِن حُسن حظِّ الكويت أنْ كانَ فيها عددٌ من الرجال الذين هيَّؤُوا لها ذلك، وحرَصُوا على متانة أعمدة الأساس.. لأنّهم يعرفون أنّ الأعاصيرَ كثيرةٌ، والزلازلَ عديدةٌ، فلا بُدَّ مِن التحضير لها بقواعدَ فولاذيّةٍ قادرةٍ على الصمود.. على أنه إذا تأثّرتِ الهَوامش بقي الأساسُ صلباً قويّاً.
 وها هي الكويت اليوم.. تمرّ بأقسَى اختباراتِها في مَحاولات تفتيت الهويّة وتقسيم الأسماء والصفات والانتماءات.. وها هي السماءُ ملبّدة بالخفافيش.. وأنت يا والدي قد أغمضْتَ عينيكَ على كويتٍ محرَّرةٍ بعد أن اطمأننْتَ أنّ الأرض عادت إلى أهلِها، وأنّ الغُزاة الذين داهمونا فجراً عادوا إلى خيباتِهم وخزيهم.
هاهيي الكويت تبقى صامدة فتية قوية.. لاينقصها سوى شباب يشعرون بما بين أيديهم من نعمة عظيمة ومسؤولية كبيرة.
رحمك الله يا أبي الغالي.. يا مَن تعبْتَ سنين طويلةً في بناء وطنٍ جميلٍ، ثمّ ترجّلْتَ عن صهوةِ جوادِكَ بمحض إرادتك لتتفرّغ –بعدما ساهمت في بناء منزل الأسرة الكويتية الكبيرة- لبناء أسرَةٍ صغيرةٍ متجانِسة متآلِفة.. ما زالت حتّى هذه اللحظة كلّما اجتمعَتْ تذكُر حكاياتِك وكلماتِك ومحبَّتَك وحزنَك الطويلَ.
ما زلْتُ أرى بصَماتِك في الجيش والشرطة والإعلامِ والتعليم والطيران والرياضة.. وفي قلب وَالدتي التي لم يغِبْ ذِكرُكَ عن قلْبها يوماً واحداً.
.. كُنْتَ مِن نِعَم اللهِ علينا.. ولولا أنها سنّة الله في كونه وفي خلقه، والله غالب على أمره.. لما كان لهذه النعم أن تتسرَّب من قلوبنا لحظةَ ذكرى،  فأنت الحاضر الذي لم يغِبْ ذكره وذكراه، والربّانُ الذي يوجِّه السفينةَ في أعالي البحارِ رغم أنه قد رسا على شواطئ السكينة، وانحازَ لوداعة الخلود.. فعليك رحمات الله..
وكما قالت سعاد الصباح حفظها الله:
(قدر الكبير بأن يظل كبيرا)