الأربعاء، 20 يونيو 2012

21 عاماً على رحيل عبد الله المبارك الصباح


 / ذكرى / 

... إنه زماننا يا والدي وليس زمانكم


بقلم: مبارك عبد الله المبارك الصباح 


يقولون ان المصائب تبدأ كبيرة ثم تصغر، وان الأحزان تتلاشى مع الوقت وتنسى، ولكن الذكرى تبقى وتكبر أحيانا، تحيا كقدر لا مفر منه، يبعث مع جديد ليحيي ما أغفله قدر الرحيل - انه صراع القدر مع القدر، صراع الحياة مع الموت، والكون في تجدد دائم ولا ينتهي، نعم انها الذكرى يا والدي... تتجدد، ومعها يتجدد الحزن على رحيلك عن هذه الدنيا الفانية الى دار الخلود الأبدية.
انها الذكرى الواحدة والعشرون على غيابك، وان كانت مدة طويلة في مقياس الزمن، هي قصيرة وقريبة في عمر الأحاسيس والمشاعر التي تسكن داخلنا وتشعرنا بأنك الحاضر أبدا ولم تغب.
كنت لنا في حياتك الأب الحنون... أعطيتنا بسخاء ورعيتنا بإخلاص ووفاء، ورسمت لنا حدودا كانت لنا المسار... كنت لنا في الحياة كل شيء... رحلت عنا وبقيت منك كل الأشياء الجميلة التي نحملها عنك لأسرتنا والمجتمع.
والدي الحبيب، صورك التي تملأ أرجاء المنزل، هي أجمل ما تقع عليه العين، دائما وفي كل نظرة تعني لنا الكثير وكأنها أصبحت لنا أيقونة نلجأ اليها في كل وقت، نخاطبك بألم وحسرة، وعزاؤنا أنك ترانا من العلياء وروحك باقية ترفرف فوق تراب هذا الوطن الذي عملت له بكل تفان وإخلاص.
والدي الحبيب، لا يسعني في هذه الذكرى إلا ان أتجاوز قليلا... جرحي الذي لا يندمل على فراقك، لأنظر الى جراح وطني النازفة، والتي كثرت واتسعت متأثرة بجسد الأمة العربية الذي أثخنته الجراح وأصابته النوائب من كل صوب... وأنا على يقين أنك تؤمن بأن جراح الوطن أشد إيلاما على النفس من جراح الجسد، لذلك أرى لزاما عليّ في هذه الذكرى أن أتطرق الى بعض ما كنت تخافه ان يصبح حقيقة وواقعا داخل مجتمعنا في يوم من الأيام.
ولأنك كنت مناديا بالتمسك بقيم العدل والعدالة والاعتدال وبتلازم المسؤول والمسؤولية - المواطنة والولاء - الشباب والمستقبل - والعلم والثقافة، أحببت ان أتوقف عند بعض هذه المحطات ولو بقليل من التحليل والمقارنة، لعليّ أقترب قليلا من النهج الذي أردتنا أن نسير عليه.
نحن اليوم يا والدي نعيش في زمن كثرت فيه المسؤوليات وتعاظمت، وقل فيه المسؤولون... زمن أصبح فيه العدل شعارا لا يطبق والعدالة تأسرها المصالح الفردية، والاعتدال عرضة لسهام التطرف والعصبيات.
زمن تتحطم فيه آمال الشباب وأحلامهم على صخرة المستقبل الذي ينشدون ولا يرون اليه سبيلا.
زمن كثر فيه العلم وقل فيه المثقفون... نعم انه زماننا يا والدي وليس زمانكم، وبينهما الفرق الكبير.
يقولون ان الزمن لا يعود الى الوراء وهذا ما نريد، انما نتمنى ان تبقى بعض القيم من ذلك الزمن أصيلة فينا ومستمرة وألا ننسى ما تجذّر فينا من قيم كالشجاعة والاخلاص، والتفاني والمودة... والايمان بالدين دون تطرف وتقبل الرأي الآخر، والعودة الى مجالس العقلاء لحل الخلافات وليس الاحتكام الى الشارع.
فالخلافات لا تحل بالصراخ، والمطالب لا تتحقق بالتهديد والوعيد، ونشر الفضائح ليس من الفضائل، ومن يبتغي الاصلاح يجب ألا يلجأ الى الوسائل بل بالتواصل والنصح والتوجيه نصل الى ما نريد، هذا ما عودنا عليه آباؤنا والأجداد ويجب ان نعود اليه.
إخواني أخواتي تعالوا معا الى كلمة سواء... ولنضع أمام أعيننا عزة هذا الوطن ورقيه وتقدمه، وحمايته من الأخطار ولنفكر مليا بهذا الجيل الذي غاب عنه والدي عبد الله المبارك منذ واحد وعشرين سنة وأصبح جيل الشباب الواعد الذي أراده أمل المستقبل، لنفكر كيف نعزز دوره ونخلق له فرصا يسهم فيها ببناء هذا الوطن، نساعده في التخطيط وتوجيه التخصصات، نفتتح له آفاقا جديدة، بانفتاحنا على الدول المتقدمة والمنتجة، انفتاحا اقتصاديا من صناعة وتجارة، واندماجا ضمن منظومات ناجحة ومتطورة.
ولنعمل على توأمة بعض مدننا مع المدن المتقدمة والاستفادة من الخبرات المتنوعة في العديد من المجالات.
وأن ننتقل تدريجيا من مجتمع استهلاكي لا مبال، الى مجتمع منتج وجدّي يؤّمن بعضا من الاكتفاء الذاتي في بعض الحاجيات.
طبعا هذا الانتقال لن يكون بين ليلة وضحاها، إنما بالارادة والعزم والتصميم نواجه التحديات والمصاعب، ان نبدأ هذا هو التحدي فلنكن على قدر من المسؤولية الوطنية ونزيل العوائق التي تعترضنا ونبدأ!
إخواني يشهد عالمنا العربي في العديد من أقطاره الكثير من الثورات وتحت شعارات ومسميات مختلفة، فلتكن ثورتنا في الداخل ثورة الشباب في ميادين الصناعة والعلم والاقتصاد والعمران والتطوير الاداري، وتشكيل الأندية الاجتماعية التي تستقطب الشباب وتنمي فيهم روح التعاون والتكاتف وتبعدهم عن التناحر الطائفي - والتمايز القبلي وتجعل ولاءهم فقط للكويت، ولاء أبديا لوطن نهائي ولجميع أبنائه.
نعم للكويت التي هي وديعة الأجداد والآباء في أعناقنا... أمانة يجب عدم التفريط بها والمحافظة عليها بكل إخلاص... وليبقى علم الكويت خفاقا للعلى.
ساريته أكتاف المخلصين الذين يريدونه عاليا دائما وشامخا أبد الدهر.
والدي الحبيب، ان دعوتي الصادقة لإخواني في الوطن بأن نكون على قدر المسؤولية، ونتعالى فوق الجراح ما هي إلا اقتباس عنك لما كنت ترجوه وتعمل له.
وفي ذكرى رحيلك الواحدة والعشرين - يا من سكنت القلب لك مني ومن جميع أفراد عائلتك الصغيرة والكبيرة ألف تحية وسلام الى روحك الطاهرة - وعهدا انك ستبقى فينا خالدا ولنا نبراسا ينير الطريق.
لك الرحمة والسكينة وللوطن المجد والخلود.

نشرت في جريدة الراي الكويتية:
الاربعاء 20 يونيو 2012




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق